تونس ــ رسالة مضمونة الوصول من عبد السلام جراد إلى الحكومة القادمة فكيف سيكون ردها؟

كأني به يقف مزهوا مبتسما ساخرا وهو يستعرض عضلاته… عضلات السيد عبد السلام جراد ليست مفتولة وهو الذي تجاوز عتبة السبعين من عمره ولكن الواقع يظهر من حين إلى آخر مدى صلابتها ومتانتها وقوتها.



تونس ــ رسالة مضمونة الوصول من عبد السلام جراد إلى الحكومة القادمة فكيف سيكون ردها؟

 

كأني به يقف مزهوا مبتسما ساخرا وهو يستعرض عضلاته… عضلات السيد عبد السلام جراد ليست مفتولة وهو الذي تجاوز عتبة السبعين من عمره ولكن الواقع يظهر من حين إلى آخر مدى صلابتها ومتانتها وقوتها.

بالأمس حرك البلاد بإصبع واحدة حتى اجتمع به السيد الباجي قايد السبسي. واليوم يرفعه الاتحاد العام التونسي للشغل عاليا فوق القانون وفوق القضاء…هي رسالة جديدة موجهة إلى الحكومة المقبلة فكيف سيكون ردها وهل سيكون مطابقا لرد حكومة قايد السبسي أم مخالفا له؟
كان السيد عبد السلام جراد أحد أبرز الشخصيات التي طالها النقد الشعبي إبّان الثورة وبعيدها بسبب مساندته المطلقة سابقا لنظام الرئيس المخلوع فهو الذي ناشد بن علي أن يترشح للانتخابات الرئاسية سنة 2014 وهو الذي جعل الشغالين (حسب معارضيه) أداة طيعة ومقهورة في يد النظام السابق وهو الذي وقف إلى جانب بن علي بقوة حتى يوم 13 جانفي الماضي (على الأقل) وهو الذي تمتع بمزايا وعطايا وهدايا نظير مواقفه.

لهذا طالب خصوم جراد منذ نجاح الثورة بعزله من منصبه على رأس الإتحاد العام التونسي للشغل استعدادا لمحاكمته لكن الرجل الذي تشبع بالخبرات السياسية والنقابية والاجتماعية استعصى على خصومه إذ جمع من حوله مؤيديه من الطبقة الشغيلة فغادروا مقرات عملهم وتسمروا في الشوارع.

ثم وجه رسالة مضمونة الوصول واضحة المعنى إلى حكومة الباجي قايد السبسي قبل أن ترى النور فحواها أنه سيسقطها.

كانت البلاد على حافة الهاوية عندما استقال الوزير الأول السابق محمد الغنوشي لكن الرجل القوي (جراد) وجد إذاك رجل سياسة لا يقل قوة ولا حنكة ولا رباطة جأش اسمه الباجي قايد السبسي وكان من البديهي أن يتقابل الرجلان في أسرع وقت ممكن.

لم يتم الإفصاح عن فحوى اللقاء لكن نتيجته كانت محيرة فقد انقطعت الاعتصامات وخاصة منها المؤثرة والقادرة على شل البلاد وانقطع جراد عن التدخل في شؤون الحكومة فيما انقطع الحديث عن ماضي جراد ومواقفه التي سبقت الثورة.

بعض الأخبار (غير الرسمية) تحدثت إذاك عن إمضاء صفقة بين الرجلين القويين يلتزم فيها جراد بعدم تعطيل أهداف الحكومة بالاعتصامات مقابل عدم مساءلته قانونيا. فلم تكن الفائدة للطرفين فحسب بل للبلاد كلها ولكن ما الذي تغير؟
لاحظنا قبيل انتخابات المجلس التأسيسي وبعده عودة قوية للاعتصامات شملت خاصة السياحة ووكالة النقل البري وتوسعت إلى قطاعات حساسة أخرى مثل السكك الحديدية…

هل كانت مجرد تصرفات قطاعية أحادية الجانب أم رسالة مضمونة الوصول من الاتحاد العام التونسي للشغل إلى الحكومة القادمة بغض النظر عن انتمائها الحزبي والايديولوجي؟
يبدو لنا أن الاحتمال الثاني أقرب إلى المنطق بالنظر إلى توقيت الرسالة وموقف الإتحاد منها.

ثم كان الاختبار الأهم هذه الأيام عندما صدر قرار قضائي يحجر السفر عن جراد. هذا القرار لا يعني إيقاف الرجل الأول في الاتحاد العام التونسي للشغل ولا الشروع في مساءلته قضائيا ولا وضعه تحت الإقامة الجبرية ومع ذلك قامت القيامة داخل الاتحاد وانبرى الأمين العام المساعد عبيد البريكي يستنكر ويهدد ويتوعد فلم يكد حبر القرار يجف حتى أبطلته دائرة الاتهام ما زاد في شعور جراد ومواليه بالقوة.

لن نجادل كثيرا في مسألة استقلالية القضاء ولكن قراءتنا البسيطة لهذه الأحداث المتسارعة تجعلنا نعتقد بأن هناك تدخلا من حكومة الباجي قايد السبسي لإنقاذ الوضع والبلاد ريثما "تسلم الأمانة" إلى الحكومة القادمة.

لم نعثر حتى الآن على تعليق رسمي من النهضة على هذه الأحداث ولكن أغلب مواليها يشنون هذه الأيام حملة شرسة على جراد عبر المواقع الالكترونية وخاصة منها صفحات الفايس بوك وهذا في اعتقادنا رد غير رسمي أو شبه رسمي على رسالة جراد في انتظار أن تباشر الحكومة الجديدة مهامها.

نحن اليوم أمام حركات تسخينية لنزال مهم بين جراد وأنصاره من جهة وبين الحكومة القادمة ومواليها من جهة أخرى والله نسأل أن لا تكون النتيجة سلبية على مصلحة البلاد.

 

 

 

عادل العبيدي       

 

اترك تعليقاً

Time limit is exhausted. Please reload CAPTCHA.