مواجهات بين مواطنين وسلفيين.. فهل دقت نواقيس حرب أهلية في تونس؟

لم تمرّ ظاهرة السلفيين في تونس دون أن تخلف وراءها مشهدا غير مألوف في الشارع وهو تنامي الفتنة بين أبناء الشعب الواحد بما قد يسهل إمكانية اندلاع ما يشبه الحرب الأهلية بين المواطنين…



مواجهات بين مواطنين وسلفيين.. فهل دقت نواقيس حرب أهلية في تونس؟

 

لم تمرّ ظاهرة السلفيين في تونس دون أن تخلف وراءها مشهدا غير مألوف في الشارع وهو تنامي الفتنة بين أبناء الشعب الواحد بما قد يسهل إمكانية اندلاع ما يشبه الحرب الأهلية بين المواطنين.

 

وتشهد تونس منذ أشهر عديدة بروز ما يعرف بالسلفيين على ساحة الأحداث وهو مشهد لم يتعود عليه المواطنون طيلة السنوات الماضية.

 

فالمحسوبين على التيار السلفي كانوا يتحركون في الخفاء طيلة سنوات حكم بن علي والمواجهات بينهم وبين البوليس كانت تتم أيضا في الخفاء ولم يكن للمواطن أي دخل في هذه المواجهة.

 

غير أنه في الأشهر الأخيرة أصبحت المواجهات بين هؤلاء ورجال الأمن تتمّ علنا وعلى مرأى ومسمع من المواطنين لتتحول في ما بعد إلى مواجهات بين المواطنين أنفسهم والمحسوبين على التيار السلفي.

 

وسمحت الثورة للمنتمين للتيار السلفي بالنشاط علنا، وهو ما أدخل الارتباك والخوف على المواطنين خاصّة في ظل ما يروج عن التصرفات المتشددة لهؤلاء تجاه بعض المظاهر.

 

فقد أصبح السلفيون يتدخلون في الشؤون الخاصة للمواطنين، على غرار اللباس وشرب الخمر والنشاط الفكري والفني ومختلف أنشطة التعبير الحرّ.

 

وبلغ بهم الأمر حدّ الاعتداء بالعنف وحد مداهمة الحانات ومحلات الفنون (قاعات سينما – معارض فن تشكيلي – مقرات مؤسسات إعلامية) وتأديب كل من يقع بين أيديهم من "المخالفين" لأفكارهم وآرائهم والعمل على قمع حريات الإبداع والفكر والفن وحريات اللباس والأكل والشرب والمعتقد.

غير أن التعامل الأمني مع المحسوبين على التيار السلفي أصبح في المدة الأخيرة غير كاف -في نظر المواطن- لوضح حد للمخاطر التي يسببها نشاط السلفيين في الشارع التونسي.

 

وأمام ضعف التعامل الأمني مع هذه الظاهرة في عدة مناطق من البلاد، اضطر المواطنون إلى النزول بأنفسهم إلى الشارع والدخول في مواجهات مباشرة مع المتشددين من السلفيين لمنعهم من الاعتداء على الحريات ومن التدخل في الشؤون الخاصّة للناس.

 

وفي صفاقس، حصلت في المدّة الأخيرة مواجهات عنيفة بين السلفيين ومواطنين، وتمّ خلالها استعمال الحجارة والعصي وذلك اثر تهجم السلفيين على المقر الجهوي لاتحاد الشغل ومحاولة المواطنين التصدي لهم، وهو ما كاد يتسبب في سقوط ضحايا لولا تدخل الأمن وبعض المواطنين لتهدئة الأوضاع.

 

وفي ماي الماضي شهدت مدينة سيدي بوزيد مواجهات بين سلفيين ومواطنين أسفرت عن سقوط  4 جرحى وذلك اثر قيام شبان منتسبين للتيار السلفي بحملة قصد غلق الحانات والفنادق والنقاط الخاصة ببيع الخمر.

 

وقد بلغ الأمر بأحد المحتجين حد إطلاق النار مرتين من بندقية صيد على الواجهة الأمامية لأحد مساجد المدينة بالتزامن مع موعد مغادرة المصلين بعد أداء صلاة العشاء، وهو ما زاد في  تأجيج فتيل النزاع بين الطرفين، وكاد يسفر عن سقوط ضحايا في صفوف المجموعتين لولا التدخل الأمني.

 

وفي جندوبة هاجم مواطنون وشبان منذ يومين جامع مسجدا أثناء صلاة الظهر حيث رشقوا المسجد بالحجارة ووصفوا السلفيين الموجودين بداخله بأبشع النعوت بعد أن سبق لهؤلاء السلفيين أن روعوا المواطنين ببعض التصرفات منها حرق بعض المؤسسات العامة والخاصة والاعتداءات على الحريات. 

 

وعند انتهاء الصلاة، خرج السلفيون ولاحقوا الشبان المذكورين وحصلت اشتباكات عنيفة بينهم أسفرت عن سقوط جرحى.

 

كما شهدت مدينة الكاف منذ أسابيع مواجهات مماثلة بين مواطنين ومحسوبين على التيار السلفي وفي كل مرة يحصل تبادل للعنف ويسقط جرحى في حالات متفاوتة الخطورة.

 

وتكرر المشهد نفسه في أكثر من منطقة خاصّة في ظل اعتقاد جازم لدى المواطنين يقول أن تحركات المحسوبين على التيار السلفي تزيد في تدهور الوضع الاقتصادي والاجتماعي بالبلاد وتشل الحركة الاقتصادية وتؤثر على موارد الرزق وتؤسس لمزيد انتشار الفقر، خاصة في المناطق السياحية، وتحرم التونسيين والتونسيات من ممارسة حرياتهم التي عاشوا على وقعها منذ أكثر من 50 عاما.

 

وفي كل مرة تزداد المخاوف من تطور المواجهات بين المواطنين العاديين والمحسوبين على التيار السلفي، بما قد يحولها إلى ما يشبه الفتنة بين أبناء الشعب الواحد أو الحرب الأهلية على غرار ما نشاهده في بلدان أخرى لا مجال لمقارنتها بتونس في مجال التطور والتقدم والانفتاح.

 

وحذر الملاحظون في تونس مؤخرا من خطر توجه المجتمع التونسي في المدة الأخيرة نحو الانقسام، بعد أن كان في الحسبان أن الثورة ستلم شمل الجميع وستجمعهم نحو مصالح موحدة و نحو مصير مشترك.

 

وكان بالإمكان تقبل هذا الانقسام لو اقتصر فقط على الصراعات الفكرية والإيديولوجية في إطار التحاور والنقاش وحرية الفكر والتعبير، لكن أن يكون الصراع على شاكلة عنف متبادل وتصرفات انتقامية فهذا ما لا يجب القبول به أبدا.

 

ويزداد الوضع خطورة لما نعلم أن ظاهرة انتشار السلاح الناري في تونس في تزايد منذ مدة، وهو ما قد يزيد في إمكانية تسبب هذا الانقسام بين التونسيين في سيلان الدم وفي سقوط قتلى وجرحى في الفترة القادمة ما لم تقف السلطة  وقفة صارمة تجاه هذه المخاطر وتردع كل مظاهر التشدد.

 

وعلى المواطن أيضا عدم السقوط في فخ الاستفزازات الصادرة عن بعض الأطراف والتعامل مع مختلف المظاهر بالحوار والنقاش.

 

وليد بالهادي

اترك تعليقاً

Time limit is exhausted. Please reload CAPTCHA.