بوادر ثورة ثانية في سيدي بوزيد… فمتى يقع التخلّي عن هذه الطريقة الهشة في التشغيل؟

بعد يوم واحد من إطلاق رئيس الجمهورية منصف المرزوقي تحذيرا حول إمكانية اندلاع ثورة داخل الثورة (في كلمة ألقاها بالمجلس التأسيسي بمناسبة عيد الجمهورية)، يمكن القول أن بوادر لما توقعه المرزوقي بدأت في الظهور الخميس بمدينة سيدي بوزيد من خلال انتفاضة عمال الحظائر احتجاجا على تأخر حصولهم على مستحقاتهم …



بوادر ثورة ثانية في سيدي بوزيد… فمتى يقع التخلّي عن هذه الطريقة الهشة في التشغيل؟

 

بعد يوم واحد من إطلاق رئيس الجمهورية منصف المرزوقي تحذيرا حول إمكانية اندلاع ثورة داخل الثورة (في كلمة ألقاها بالمجلس التأسيسي بمناسبة عيد الجمهورية)، يمكن القول أن بوادر لما توقعه المرزوقي بدأت في الظهور الخميس بمدينة سيدي بوزيد من خلال انتفاضة عمال الحظائر احتجاجا على تأخر حصولهم على مستحقاتهم .

 

واشتبكت أمس الشرطة مع محتجين من عمال الحظائر وأطلقت قنابل الغاز المسيل للدموع والرصاص في الهواء لتفريق عشرات من هؤلاء العمال الذين حاولوا اقتحام مقر ولاية سيدي بوزيد (وسط غرب) التي انطلقت من أمامها شرارة الثورة التونسية نهاية 2010 وذلك احتجاجا على تأخر الحكومة في صرف رواتبهم، كما طال غضب المحتجين مقر حزب النهضة، وهو ما جعل ملاحظين يعبرون عن مخاوف من تكرار المشهد نفسه هذه الايام على خلفية احتجاج عملة الحظائر الخميس. 

وتشهد تونس منذ ثورة 14 جانفي تململا كبيرا في صفوف الفئات الفقيرة وحتى المتوسطة، لا سيما بالمناطق المحرومة، وذلك بسبب غلاء المعيشة وارتفاع نسب البطالة وتواصل غياب التنمية بمناطق الظل فضلا عن تواصل اعتماد أساليب هشة في التشغيل بالقطاع العام على غرار العمل في الحظائر.

 

ولم يتعظ المسؤولون في السلطة بعد الثورة من التجربة الفاشلة لعمل الحظائر في عهد نظام  بن علي الذي اعتمدها كمسكنات وقتية لبطالة الآلاف من الكهول والشباب في عدة مناطق، حيث واصلت الحكومات المتعاقبة بعد 14 جانفي اعتماد هذه التجربة بمختلف سلبياتها منها خصوصا الأجور الضعيفة جدا  العمل بطريقة متقطعة ودون توفر أية ضمانات.

 

ويقدّر عدد عمال الحظائر في تونس بأكثر من 50 ألفا في كل الولايات والمعتمديات والبلديات وتضمّ هذه الآلية في التشغيل مستويات ثقافية عديدة بما فيها أصحاب شهادات عليا ضاقت بهم السبل فلم يجدوا سوى الحظائر للعمل فيها رغم الأجور الزهيدة (120 دينار/شهر).

 

وشيئا فشيئا تحوّل العمل في الحظائر بالنسبة إليهم وإلى عديد العائلات  من حل وقتي إلى حل نهائي.

 

وتقول الإحصائيات  أن الحظائر تكلف ميزانية الدولة نفقات باهظة، في حين أن المنافع المرجوة منها للاقتصاد وللتنمية قليلة عكس مواطن الشغل القارة والمنظمة التي تكون عادة ذات مردودية أفضل على الصعيد الاقتصادي.

 

كما أن هذه الطريقة في التشغيل تفتح المجال واسعا للفساد المالي لدى المسؤولين الجهويين نظرا لصعوبة مراقبتها، حيث أثبتت تحريات سابقة وجود أسماء وهمية ضمن قائمات المشتغلين وتصرف لهم أجور.

والغريب في الأمر انه رغم الطابع الوقتي والاستثنائي لعمل الحظائر، إلا أن الإحصائيات الرسمية تأخذه بعين الاعتبار من أجل تلميع صورة الحكومة في ميدان التشغيل وفي إبراز البطالة بنسب منخفضة والحال أنهم من المفروض أن يقع احتساب عملة الحظائر في عداد العاطلين.

 

ويحذر الخبراء والمختصون باستمرار من اعتماد الحظائر بشكل مكثف لأن "حبلها قصير" أي أنها مسكن وقتي لآلام البطالة قد يزول مفعوله في أية لحظة وتصبح سببا في الاحتقان والغضب الاجتماعيين وتهدد بالتالي بإشعال فتيل الانتفاضة والثورة في أية لحظة، خاصة لما تكون متبوعة بمماطلة في خلاص الأجور على غرار ما حصل مؤخرا بسيدي بوزيد وما حصل سابقا بباجة والقصرين وقفصة والكاف وصفاقس وغيرها.

 

وذهب ناشطون سياسيين ومن المجتمع المدني حدّ القول إنه من المهين أن نجد في تونس ما بعد الثورة هذا الصنف من التشغيل و اعتبروا انه  يذكرنا بأيام "العبودية" حيث أن أجور عملة الحظائر لا تكفي حتى لتوفير مقومات العيش الكريم أمام ما تشهده تكاليف الحياة من ارتفاع صاروخي.

 

وتعتبر المنظمات النقابية باستمرار أن وضعية عمال الحظائر كارثية ولا تستجيب لأدنى مقومات العمل القانوني  ويبقى الحل الأمثل في رأيها هو التخلي عن هذه الآلية في التشغيل بصفة تدريجية وذلك عبر  الإدماج النهائي لهؤلاء العمال تفاديا لكل أشكال الاحتقان الاجتماعي التي كان من المفروض أن لا نراها بعد الثورة.

 

وليد بالهادي

اترك تعليقاً

Time limit is exhausted. Please reload CAPTCHA.