بعد أن ضاقوا ذرعا بالوضع الحالي.. عديد التونسيين يحنون إلى أيام بن علي!

في الحقيقة تردّدت كثيرا عند الشروع في كتابة هذا المقال والذي بالتأكيد لن يُعجب الأغلبية الساحقة للشعب التونسي مع التأكيد على أن المقال ليس له خلفية سياسية حتى لا يُفهم صاحبه وصاحب الموقع أنهما من فلول النظام السابق، أو أن يُفهم أن الحكومة الحالية هي التي مستهدفة

بعد أن ضاقوا ذرعا بالوضع الحالي.. عديد التونسيين يحنون إلى أيام بن علي!

 
 

في الحقيقة تردّدت كثيرا عند الشروع في كتابة هذا المقال والذي بالتأكيد لن يُعجب الأغلبية الساحقة للشعب التونسي مع التأكيد على أن المقال ليس له خلفية سياسية حتى لا يُفهم صاحبه وصاحب الموقع أنهما من فلول النظام السابق، أو أن يُفهم أن الحكومة الحالية هي التي مستهدفة، غير أن ما دفعني إلى تحرير هذه الأسطر الأمور غير الإيجابية وغير المطمئنة التي لاحظتها وعايشتها في الآونة الأخيرة لما بلغته البلاد من وضعية تجعل الكل يتخوف على مصير الثورة التونسية.

 

المتابع للشأن الوطني في البلاد يلاحظ دون أدنى شكّ أن الثورة بدأت تدخل في منعرج بل في العديد من المنعطفات والمنعرجات الخطيرة إلى حد الشعور بالتوهان وضياع الطريق الصحيحة المؤدية إلى بر الأمان وبلوغ الأهداف المنشودة، ألا وهي الديمقراطية الحقّة والاحترام والتضامن الحقيقي ونبذ الذات وجعل مصلحة تونس فرق كل اعتبار.

 

عندما عنونت مقالي هذا "الحنين إلى بن علي" لم أقصد في حقيقة الأمر حبّي بهذا الرجل الدكتاتور المستبدّ، بل حقيقة مُرّة بدأت تتكرّس وتتأكّد مع مرور الأيام والأشهر وهي أنّ المواطنين من "الأغلبية الصامتة" بدؤوا ومع الأسف يتزايد عددهم، وأمام حالة الفوضى والانفلات السياسي والأخلاقي وحالات الريبة والشك التي انتابت الشعب التونسي خلال الأيام القليلة الفارطة وبالخصوص الخوف من المصير والمجهول، دفع الكثير من الناس الحنين إلى العهد السابق نعم بكل أسف يتحسّرون على الأيام الخالية في عهد المخلوع وبقاء الأمور والأوضاع على حالها !!!

 

ما دفعني حقّا إلى التعرّض إلى هذا الموضوع الذي أصبح من المحظورات، هو أنّني سمعت وتجاذبت أطراف الحديث مع بعض المواطنين من نساء ورجال الذين وأمام حالة اليأس وعدم وضوح الرؤيا وما وصلت إليه البلاد من حالة فوضى شملت العديد من المجالات( كثرة الاعتصامات والإضرابات وركود الحركة التجارية والاقتصادية والخوف من عدم الحصول على الأجور وآخرها كثرة الأوساخ والفضلات ارتفاع مستوى الجريمة بشكل لافت وحالات الاحتقان الاجتماعي…).

 

علاوة على المعاملات السيئة وعدم احترام البعض للآخر في أبسط قواعد التعامل من حركة المرور إلى التعدي على الملك العمومي وتفاقم التهريب والانتصاب الفوضوي والعشوائي.

 

زد على ذلك التجاذبات السياسية والصراعات المعلنة والخفية بين الساسة في العديد من المسائل التي لم تُحسم إلى حد الآن على غرار صياغة الدستور وتحديد موعد الانتخابات القادمة، كلها عوامل ومبررات جعلت العديد من المواطنين يملون الوضع وينتبهم الإحباط من الوضع لذي آلت إليه تونس ويتحسّرون عليها.

 

هذه المسائل دفعت بهذا العدد ولئن كان متواضعا، يُردّد ولكن بصوت خافت وبنوع من التململ والامتعاض "لقد كنا في أفضل حال مع بن علي" وهناك من ردّد في بعض الزوايا ومحطات الحافلات والمترو "يا ليت ظلّ بن علي في الحكم يسرقنا ولا نصل إلى مثل هذه الوضعية المزرية التي وصلت إليها البلاد".

 

وهناك شقّ آخر ردّد "بن علي ولا شرذمة تتناحر من أجل الحكم والبلاد تسير في مصير مجهول" واصفين الوضع بأن البلاد "داخلة في الحيط".

 

وهناك من بدأ يؤمن بحقيقة أخرى وهي أنّ في عهد بن علي الأمن كان مستتبّا على مدار كامل اليوم وبإمكان المرأة والرجل والشباب ارتياد كل أماكن الترفيه في أمان من دون تعرضهم إلى لمضايقات أو البراكاجات، أما في الوضع الراهن أصبح المواطن وخاصة المرأة وفي وضح النهار تخشى على نفسها من السرقة والترويع.

 

عديدة هي الروايات التي سمعتها والأكيد أنكم سمعتم عنها في مثل هذا الاتجاه، وهي حقيقة لا يمكن إخفاؤها أو تجاهلها في صفوف العديد من المواطنين الذين تاهوا بعد الثورة ولم يفهموا أين تسير البلاد وأكدت نتائج سبر آراء أنجون مكتب قيس الآراء هذا التوجه وتم نشره "إذ أن 42% من التونسيين يرون أن الوضع مع بن علي كان أفضل".

 

هذا أمر خطير، أن ييأس الناس ويحنّنون إلى عودة الدكتاتور المخلوع وهو أمر مُحيّر فعلا ويبعث على التساؤل والحيرة بأن يرضخوا إلى السرقة والمهانة عوض عن الحرية والكرامة والانعتاق من ماض مظلم وتفجير الطاقات الخلاقة في شتى الميادين.

 

ربّما المبدع ورجل الفكر والسياسة والإعلامي والمستثمر ورجل الأعمال يستسيغ معاني الحرية والديمقراطية والتحرّر، أمّا عامة الشعب وأمام حالات الخوف والريبة والشكّ والخوف من المستقبل والمصير المجهول، يحنّ إلى ماض تعوّد عليه وحنّطه وجعله ينظر من زاوية مغلقة وضيّقة، ضيّقت عليه النظر نحو مستقبل أفضل يؤمّن للأجيال القادمة الحرية والكرامة والعزّة.

 

إنّ لكل ثورة كلفتها وثمنها وأتعابها ويتعيّن على الذين يحنّون إلى بن علي التحلّي بالصبر ومغالبة النفس باعتبار أن الدول التي مرت بثورات مماثلة ظلت تائهة نسبيا لفترة مطولة بين 5 و7 سنوات حتى استقر الوضع سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وبدأت كل مكونات المجتمع والقوى الحية بالبلاد تفهم بعضها البعض.

 

مهدي الزغلامي

 

اترك تعليقاً

Time limit is exhausted. Please reload CAPTCHA.