حركة النهضة تقبل الديمقراطية وترفض مبادئها!!!

يحتوى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عن قائمة بالحقوق الكونية، التي تؤسس لنظام ديمقراطي وترسى مؤسسات قانونية ودستورية مهمتها الحفاظ على كرامة المواطنين والإشراف على العمليات الانتخابية إلى تكرس التداول السلمي على السلطة…



حركة النهضة تقبل الديمقراطية وترفض مبادئها!!!

 

يحتوى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عن قائمة بالحقوق الكونية، التي تؤسس لنظام ديمقراطي وترسى مؤسسات قانونية ودستورية مهمتها الحفاظ على كرامة المواطنين والإشراف على العمليات الانتخابية إلى تكرس التداول السلمي على السلطة.

 

وتتبنى الدول الديمقراطية هذا الإعلان باعتبار انه يحمل في طياته مبادئ النظام الديمقراطي الحقيقي في حين تواجه بلدان الربيع العربي منها تونس تجاذبات سياسية وإيديولوجية تمنع تبنى هذا الإعلان خاصة بعد تولى الإسلاميين الحكم.

 

ويري الإسلاميون بأنّ هناك بنود من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لا تتوافق مع الدين الإسلامي وهي المتعلقة بالمساواة التامة بين الجنسين والتبني وحكم الإعدام، في حين يؤكد العلمانيين بأنه لا ديقمراطية بدون حريات أو مساواة بين المرأة والرجل.

 

حتى إن رئيس الجمهورية المؤقت المنصف المرزوقي دعا إلى تجاوز نقاط الاختلاف في هذا الإعلان عبر تأويل النص القرآني وأكد على ضرورة تثبيت الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في الدستور الجديد والإقرار بعلوية القوانين الدولية التي تكرس النظام الديمقراطي وتحميه.

 

في المقابل لا ترى حركة النهضة بأنه من الضروري التنصيص في الدستور على مبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وخاصة تلك المتعلقة بحرية التعبير والصحافة، معتبرة بأن لتلك الحريات حدود دينية وأخلاقية.

 

وهنا يطرح التساؤل حول التناقض في مواقف حركة النهضة فهي تتبنى الديمقراطية وتصرّ عليها، من جهة وترفض مبادئها من جهة أخرى حتى أن خميّس الماجري القيادي السابق في حركة النهضة أكد في تصريح صحفي بأن قياديّي حركة النهضة كانوا سلفيين يكفّرون الديمقراطية ولا يسعون إلاّ إلى تطبيق الشريعة قبل أن يصبحوا ديمقراطيين.

 

كما اتهمت الإعلامية والحقوقية نزيهة رجيبة حركة  النهضة بأنها حركة إيديولوجية لا تؤمن بالديمقراطية وبالتداول السلمي على السلطة.

 

ومازال موضوع الحريات وحقوق الإنسان يثير الجدل بين الإسلاميين، بسبب آثاره التي تتناقض أحيانا مع القيم الإسلامية. ويظلّ موضوع حقوق المرأة والمساواة من أصعب وأعقد المجالات، التي يتعامل معها الإسلاميون في محاولاتهم عدم التناقض مع القيم والمبادئ العالمية، التي تأخذ طابعاً إنسانياً شاملاً بعد أن تبنتها المنظمات والهيئات الدولية.

 

وعلى الرغم من أن أغلب الدول الإسلامية قد وقعت  اتفاقية إلغاء كل أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) إلا أنها تراجعت بسبب تعارض بعض البنود مع الشريعة الإسلامية. ومازالت برامج ونقاشات التنظيمات الإسلامية مشغولة بالوصول إلى مواقف واضحة تجاه وضعية المرأة المسلمة.

 

وتمثل هذه القضايا المستحدثة الاختبار الحقيقي للإسلاميين السياسيين فهم أمام تحدي النصوص الثابتة والواقع المتغير خاصة في زمن تتساقط فيه  الحدود المادية وغير المادية التي تفصل الدول والمجتمعات والثقافات والذين بعد وصولهم إلى السلطة لجؤوا إلى التجربة والخطأ لأنهم لا يستندون إلى فكر سياسي تاريخي أو إلى مرجعية دينية واضحة.

 

ففي قراءة لتاريخ الحركات الإسلامية يتبين بأن هذه الحركات وفي مقدمتها  الحركة الإسلامية الأم الإخوان المسلمون في مصر قدمت نفسها منذ نشأتها العام 1928، على أنها دعوة دينية وأخلاقية وانخرطت تدريجيا في السياسة وفي أربعينيات القرن الماضي صارت من أنشط التنظيمات مثلها مثل حركة النهضة التي كانت تسمى بالاتجاه الإسلامي.

 

ويطرح هذا التداخل بين الدعوي والسياسي عدة مشكلات من أهمها استغلال الدافع الديني واحتكاره من قبل الإسلاميين وقد يوحي شعار "الإسلام هو الحل" والذي يرفعه الإسلاميون بغلبة الدعوي على السياسي بالإضافة إلى إعطائهم الحق في تحديد الكافر والمؤمن وصف معارضيهم بالكفرة.

 

ولا تزال حركة النهضة متذبذبة  لجهة تبنيها فكرة "الإسلام  الليبرالي"، التي تؤمن بالموائمة بينها وبين الديمقراطية، حيث كانت الديمقراطية تعد بدعة غربية في المرجعية الإسلامية، وعلى أساس أن الإسلام ـفي زعم معظم الحركات الإسلامية على اختلاف مسمياتها لا يعرف سوى نظام الشورى  وخاصة في ظل اختلاف الرؤى بين الحمائم والصقور في هذه الحركة.

 

يشار إلى أن أصحاب هذه النظرة لا يذهبون إلى حد فصل الدين عن الدولة، غير أنهم يقرّرون أن صمت الفقه الإسلامي عن معالجة نظم الدولة، ما عدا الإشارة إلى "الشورى" يسمح في الواقع بتأسيس دولة إسلامية ليبرالية يختار فيها المواطنون مؤسساتهم السياسية كما يريدون، ويغيرونها إذا شاءوا حسب الظروف. غير أن ذلك لا يمنع من أن توصف الدولة بأنها إسلامية.

 

أما النوع الثاني من الليبرالية الإسلامية، فإنه يذهب في تبريره تأسيس مؤسسات سياسية ليبرالية (كالبرلمان والانتخابات والحقوق المدنية) بل وحتى بعض سياسات الرعاية الاجتماعية، على أساس أنها لا تتناقض مع أي نصوص دينية، بل إنها يمكن أن تعد تطبيقاً لبعض المبادئ الإسلامية المنصوص عليها في بعض النصوص القرآنية، والتي يمكن استخلاصها أيضاً من سِيَر الخلفاء الراشدين.

 

ويبدو أن عملية البناء الديمقراطي  ستواجه عقبات ليست بالهينة فهي لم تجد إلى حد الآن والمناخ المجتمعي والإيديولوجي المناسب لازدهارها سيحسم التوافق بين الديمقراطية والسياسات الإسلامية المسالة نهائيا ويبشر بإنجاح الثورة التونسية ولكن في صورة تعنت الإسلاميين ورفضهم لمبادئ الديمقراطية فإن الخشية من اتخاذها من صناديق الاقتراع وسيلة للوصول إلى السلطة والانقضاض عليها.

 

مريم التايب

اترك تعليقاً

Time limit is exhausted. Please reload CAPTCHA.