بعد تصاعد موجة الإرهاب، تونس تدفع ثمن العفو التشريعي العام في جانفي 2011

عرفت تونس في الفترة الأخيرة تطورات سياسية متسارعة ومتواترة ألقت بضلالها على البلاد لتدخل في أزمة كبيرة وحلقة مفرغة من التجاذبات والصراعات الحزبية والسياسية زادها الوضع توترا وصعوبة من خلال بروز تحديات أمنية جسيمة تمثلت بالخصوص في تنامي ظاهرة الإرهاب من أوسع أبوابها بدأ بحادثة اغتيال عضو المجلس الوطني التأسيسي ومؤسس التيار الشعبي وعضو مجلس أمناء الجبهة الشعبية محمد البراهمي يوم 25 جويلة 2013…



بعد تصاعد موجة الإرهاب، تونس تدفع ثمن العفو التشريعي العام في جانفي 2011

 

عرفت تونس في الفترة الأخيرة تطورات سياسية متسارعة ومتواترة ألقت بضلالها على البلاد لتدخل في أزمة كبيرة وحلقة مفرغة من التجاذبات والصراعات الحزبية والسياسية زادها الوضع توترا وصعوبة من خلال بروز تحديات أمنية جسيمة تمثلت بالخصوص في تنامي ظاهرة الإرهاب من أوسع أبوابها بدأ بحادثة اغتيال عضو المجلس الوطني التأسيسي ومؤسس التيار الشعبي وعضو مجلس أمناء الجبهة الشعبية محمد البراهمي يوم 25 جويلة 2013.

 

وتلت هذه  الحادثة موجة من الاضطرابات والأحداث التي تسارعت وتيرتها بنسق سريع أدخل البلاد في موجة من الإرباك والتوتر العامين، إذ أنه نصبت المجموعة الإرهابية المتمركزة بجبل الشعانبي يوم 29 جويلية الفارط كمينا لفائدة دورية من الجيش الوطني تم على إثرها قتل 8 جنود بواسل والتنكيل بجثثهم وجرح البقية ليطلّ غول الإرهاب من جديد في تونس.

 

بضعة أيام أخرى زاد الطين بلة من خلال عملية نوعية أخرى استهدفت سيارة تابعة للحرس الوطني بمدينة حلق الوادي تلتها عميلة أخرى بتفجير عبوة ناسفة عن بعد في جهة المحمدية استهدفت سيارة تابعة للحرس الوطني في إشارة خطيرة عن مدى حساسية الوضع بإعطاء الإذن للخلايا النائمة التابعة للمجموعات الإرهابية بالتحرّك في المدن.

 

ولأدل على ذلك تفكيك قوات الأمن المختصة في مقاومة الإرهاب في الأيام الأخيرة لشبكة من الإرهابيين المُتحصّنين في بعض الأحياء السكنية الشعبية الذين كانوا يستعدون للقيام بعمليات نوعية من ذلك عملية الوردية التي أسفرت عن إلقاء القبض عن أربعة متورطين في تبادل لإطلاق النار مع قوات الأمن وقتل الخامس.

 

إنّ الخيط الرابط والقاسم المشترك بين كل المتورطين في عمليات الاغتيال وتفاقم المد الإرهابي والمنتمين إلى مختلف التنظيمات الإرهابية التي ظهرت في تونس عنصر واحد هو أن أغلب المتهمين والضالعين في العمليات الإرهابية تمتّعوا بالعفو التشريع العام إبان الثورة بعد 14 جانفي 2011 كأحد المطالب الشعبية والنخب والأحزاب السياسية  في تلك الفترة المتسمة بالارتباك والانفلاتات الأمنية والاجتماعية والسياسية.

 

لقد تمتع بالعفو التشريعي العام في تلك الفترة سواء كانوا في تونس أو خارجها كل من كان معارضا لنظام بن علي وحكمه في إشارة إلى الأحزاب أو المعارضين الذين ناضلوا من أجل أفكارهم و مبادئهم وخاصة تحرير البلاد من الاستبداد وغطرسة الرئيس المخلوع وفساده وفساد عائلته.

 

كما تمتع بهذا العفو، وهنا يكمن الخطر الذي لم يُقرأ له ألف حساب، كل من حوكم في النظام السابق تحت طائلة قانون الإرهاب والذين تورّطوا في عمليات إجرامية وإرهابية هدّدت أمن البلاد واستقرارها وفي مقدمتهم ما يُطلق عليها "مجموعة سليمان" التي قامت في مطلع الألفية بعملية خطيرة جدا في مدينة سليمان بالضاحية الجنوبية لتونس الكبرى استوجبت تدخل الجيش التونسي وقوات الأمن الداخلي الخاصة إذ تراوحت الأحكام الصادرة في حقهم بين الإعدام شنقا والمؤبّد.

 

هذا من دون أن ننسى قدوم من الخارج العديد من التونسيين المتورطين في قضايا أمن دولة وإرهاب و الفاريين من البلاد وفي حقهم أحكام بالسجن في تونس علاوة على ترحيل بعض الدول الأوروبية لبعض التونسيين الذين قاموا بعمليات إرهابية في عدد من دول العالم إلى تونس لقضاء بقية مدة سجنهم في تونس، غير أنه مع الأسف "أنصفتهم" الثورة وسرعان ما خرجوا من سجنهم وتمتعوا بالعفو التشريعي العام في جانفي 2011  ووجدوا أنفسهم أحرارا طلقاء لم يُقدّروا ما قدمه لهم بلدهم من هدية ثمينة ألا وهي الحرية لبداية جديدة تقطع مع الماضي، غير أنهم رفضوها جملة وتفصيلا.

 

أشهر قليلة تحوّلت نعمة العفو التشريعي العام إلى نقمة أصبحت تعاني منها تونس وتكتوي بنارها باعتبار أن الذين تمّ تسريحهم في إطار هذا العفو، تشكّلوا من جديد في تنظيمات إرهابية خطيرة ومجموعات متشددة دينيا أصبحت تهدد مباشرة أمن البلاد والمواطنين.

 

وحسب تصريحات المسؤولين الأمنيين فإن الذين قاموا بعمليات " الروحية" و"بئر علي بن خليفة" و المجوعات المتمركزة في الشعانبي التي أطلقت على نفسها اسم "كتيبة عقبة ابن نافع"  تمتعّت عناصرها بالعفو التشريعي العام في سنة 2011 علاوة على أن عددا منها حوكم في قضية مجموعة سليمان، زد على ذلك وحسب ما أفاد به وزير الداخلية لطفي بن جدو في إحدى ندواته الصحفية أن المتورط الرئيسي في حادثة اغتيال محمد البراهمي، هو بوبكر الحكيم المولود في فرنسا من أبوين تونسيين وله سوابق خطيرة باعتباره قضى عقوبة السجن في فرنسا على خلفية قضايا إرهابية وكان ممنوعا من القدوم إلى تونس لكن العفو التشريعي العام خوّل له الرجوع إلى أرض الوطن.

 

ما يمكن التأكيد عليه أنه بقدر ما كان للثورة مزاياها ومحاسنها بقدر ما بدأت تظهر بعض سلبياتها و"الوجه الآخر للعُملة" ألا وهو التسرع في العفو التشريعي العام الذي تجني تونس حاليا "شوكه" بدل من زهوره ووروده.

 

رياض بودربالة

اترك تعليقاً

Time limit is exhausted. Please reload CAPTCHA.