تونس : خطاب علي العريض قبل ختم دستور الجمهورية الثانية

تقدم رئيس الحكومة علي العريض اليوم الاثنين 27 جانفي 2014 في جلسة ختم الدستور بالتصريح التالي :
نعيش اليوم في لحظة تاريخية متميزة تزدحم فيها المعاني والعبر والمشاعر الفياضة، مشاعر حمدِ الله تعالى على إتمام الدستور الجديد والاعتزاز بهذا الإنجاز الوطني الكبير، اسمحوا لي أن أجدد من أعماقي خالص الشكر والامتنان للمجلس الوطني التأسيسي رئاسة ومكتبا …



تقدم رئيس الحكومة علي العريض اليوم الاثنين 27 جانفي 2014 في جلسة ختم الدستور
بالتصريح التالي :

نعيش اليوم في لحظة تاريخية متميزة تزدحم فيها المعاني والعبر والمشاعر الفياضة،
مشاعر حمدِ الله تعالى على إتمام الدستور الجديد والاعتزاز بهذا الإنجاز الوطني
الكبير، اسمحوا لي أن أجدد من أعماقي خالص الشكر والامتنان للمجلس الوطني
التأسيسي رئاسة ومكتبا ولجانا وأعضاء وإداريين وعملة، وأن أتوجه بالشكر الجزيل
لكل الذين ساهموا في الوصول بنا إلى هذه اللحظة الفارقة في أي موقع كانوا؛ في
رئاسة الجمهورية وفي الحكومة وفي مؤسسات الدولة وفي هيئات الحوار الوطني وفي
المجتمع المدني وفي الشعب التونسي بطل ثورة الحرية والكرامة والمؤتمن الأول
عليها.

سيداتي سادتي، لقد عملنا من مختلف المواقع بروح عالية وبثقة كبيرة في الله ثمّ
في نساء تونس ورجالها متضامنين رغم كثرة التحديات وتوالدها وكثرة المخاطر
وتعاظمها أحيانا، من أجل إنجاح تجربتنا وبناء ديمقراطيتنا وتحقيق آمال شعبنا
وصياغة تعاقدات اجتماعية وسياسية وثقافية جديدة توسّع المشترك بين كلّ
التونسيين وتدار على أساسها وفي إطارها اختلافاتنا في الرأي والتقدير.

حلمنا بذلك وأنا أعلم أن الحلم في ثقافتنا أصيل، وأنه في حياة السياسي والشعوب
مطلوب مطلوب، وأن الحلم والأمل والثبات هي زاد مواجهة العقبات والانكسارات وكل
عوامل اليأس والعجز.

تونس العريقة في تاريخها، الراسخة في هويتها، المتسعة في محيطها، الرائدة في
ثورتها، لم تعرف بأنها أرض الثروات الطبيعية الكثيرة بقدر ما عرفت عبر تاريخها
الممتد قرونا بعيدة بكونها مهدا لتلاقي الحضارات ونشر الفكر الإسلامي ولا سيما
الفقه المقاصدي منه خاصية المغرب العربي، كما عرفت بأنها أرض الانفتاح على
الثقافات والشعوب الأخرى.

لكل ذلك فقدرنا في تونس أن نواصل الرهان على العمل والعلم والثقافة والقيمة
المضافة للتكنولوجيا وكذلك على السمت المجتمعي المبني على دين الاعتدال
والوسطية والتشبع بقيم العيش المشترك .

تلك أهم عناصر قوتنا الرمزية التي استثمرنا فيها طويلا وراكمنا فيها حصائل هامة
هي جمّاع ما حققناه قبل الاستقلال وبعده وقبل الثورة وبعدها وربما لم نقدر إلى
غاية الآن على الاستفادة منها بالقدر المطلوب.

قد تختلف نخبنا وخاصة السياسية منها في مسائل عديدة ولكن ليس من حقنا أن نختلف
في القيمة الاستراتيجية للعمل والعلم والتعليم وحق أطفالنا وشبابنا في أن تتوفر
لهم أسباب تحصيل العلم ومناخات الارتقاء في مدارجه ومسالكه بعيدا عن التجاذبات
السياسية، لأن أطفالنا وشبابنا هم قادة المستقبل وبناة تونس الجديدة وورثة
تاريخها والمستأمنون على مستقبلها، وليس من حقنا ان نعطل آلة الإنتاج والعمل
ونحكم على مؤسساتنا وثرواتنا بالنضوب أو حتى بالإفلاس.

إن قوة الهوية ليست فقط في رموزها بل كذلك في نشاطها أو بعدها المادي. سيداتي
سادتي كلنا تونسيون متساوون في المواطنة، شركاء في هذا الوطن، من حقّنا أن
تختلف برامجنا ومقارباتنا وأن نتنافس في بنائها وخدمتها عبر المؤسسات ونسيج
المجتمع المدني غير أنه ما ينبغي بحال من الأحوال أن يغيب عنا للحظة أن طريق
النجاة والنجاح هو تشبعنا وتمسكنا بالوحدة الوطنية. نختلف في المقاربات، نتحاور
ونبادل الرأي بالرأي ونتوافق على الحل الذي نرتضيه. لقد أثبتنا ان توافقنا على
الحد الأدنى الممكن من الحق خير من تقاتلنا على الحد الأقصى منه، ذلك هو قدرنا
وقد حبانا الله بوحدة اللغة ووحدة الدين والمذهب ووحدة الجغرافيا والتاريخ.

سيداتي سادتي لا اخفيكم أنّه تزدحم بداخلي مشاعر عديدة. لديّ شعور بالاطمئنان
على خطّ سيرنا في اتّجاه استكمال المرحلة الأخيرة من الانتقال الديمقراطي الذي
تعلّقت به قلوب كل التونسيين كما قلوب كلّ أصدقاء تونس وثورتها خاصة بعد
المصادقة على الدستور الجديد وختمه وبعد نيل الحكومة الجديدة ثقة المجلس الوطني
التأسيسي وبعد انطلاق عمل الهيئة العليا للانتخابات، ولديّ شعور بأنّ بلادنا
بقدر ما تراجع فيها حجم المصاعب والمخاطر التي كانت تهدد نجاح مسارنا الانتقالي
بقدر ما تعاظم والحمد لله فيها حجم الضمانات الملزمة للجميع لأنها جاءت من خلال
حوار وطني أنتج توافقات تاريخية بين أغلب الأحزاب والمجتمع المدني، لديّ شعور
عميق بالاعتزاز بأن ديمقراطيتنا الناشئة حيّة فاعلة تشقّ طريقها بثبات نحو
الترسّخ والنّجاح رغم الصعوبات والاختبارات.

حضرات السيدات والسادة سيطوي التاريخ لا محالة طيّه، وكلّي ثقة وأمل في أن
ينصفنا المؤرخون وتثمّن أجيال تونس القادمة كل ما قامت به أجيال الكفاح
التحريري وبناء الدولة والنهوض بها والنضال ضد الاستبداد ثم الثورة وحكوماتها
المتعاقبة من جهود وتضحيات من أجل بناء تونس الجديدة على قواعد صلبة ومتينة
أولها الهوية العربية الإسلامية وثانيها الثورة بكل زخمها واستحقاقاتها وثالثها
الحاضر بكل تشعباته ورابعها الحلم الذي يسكننا جميعا من أجل تونس حرة
وديمقراطية، أصيلة وحديثة، مزدهرة وعادلة، يحترمها الجميع.

فلنفخر بما حقّقنا ولنواصل الطريق متحدين في السراء والضراء متوكلين على الله
عز وجل واثقين في أنفسنا وفي شعبنا معتبرين أن هذا الدستور هو عهد بين كل
التونسيين علينا الوفاء به.
قال تعالى "وأوفوا بالعهد إنّ العهد كان مسؤ..
 

اترك تعليقاً

Time limit is exhausted. Please reload CAPTCHA.