الصحافة زمن الكورونا: لا قيمة لأي ديمقراطية دون صحافة حرة..

إن الأزمة الصحية غير المسبوقة التي نمر بها قد سببت أضرارا اقتصادية لا تحصى، لكن في انتظار أيام أفضل فإن الجهود التي تبذلها السلطات العمومية مسنودة بروح التضامن السائدة، من شأنها التخفيف من آثار تلك الاضرار.

إن الصحافة المكتوبة التقليدية أو الإلكترونية، التي تشهد صعوبات جمة منذ سنوات عديدة لأسباب مختلفة، مهددة بالاختفاء نهائيا إذا لم تقدم لها الدولة دعمًا صريحًا وحقيقيًا. وحيث نحتفل باليوم العالمي لحرية الصحافة، رأيت انه من واجبي أن أطلق صرخة استغاثة ممزوجة بالغضب.

لا وجود لمؤسسة صحفية، في هذا الظرف غير المألوف، تتوفر لديها الإمكانيات الكافية لدفع رواتب صحفييها بل إن الإفلاس المؤكد يهددها. حتى الآن، نجد فقط أن الصحافة المكتوبة العمومية هي التي تلقت مساعدة مالية. إجراء نرحب به دون شك، ولكن الصحافة المكتوبة الخاصة ليست أقل استحقاقا لمثل هذا الدعم، فالعاملون فيها يساهمون أيضًا كل يوم في انتاج المعرفة ونشرها، كما تحتاج أسرهم إلى السكن والغذاء.

إن الذين يعتقدون أنه يمكن لبلد أن يعيش دون صحافة مكتوبة فهم إما جاهلون أو فاشيون. فمنذ نشأتها في تونس منتصف القرن التاسع عشر ، شاركت الصحافة المكتوبة في جميع المعارك، سواء كانت من أجل التحرر الوطني أو التنمية الاقتصادية والاجتماعية أو الدفاع عن الحريات العامة.

إن الصحفيين بأقلامهم يشكلون كتائب القتال في أي ديمقراطية.. فليس من قبيل المصادفة أن الفاشية قمعت تاريخيا المهنة بوحشية وسعت إلى إلغائها، كذلك أراد الإرهابيون الذين دخلوا مبنى جريدة “تشارلي إبدو” الفرنسية، إسكات الصحفيين إلى الأبد ومن خلالهم إعدام حرية الفكر والديمقراطية.

كذلك فإن الذين يعتقدون أن الشبكات الاجتماعية كالفيسبوك وغيره، قادرة على ملء الفراغ الذي سيتركه اختفاء الصحافة المكتوبة مخطئون بشكل فادح.. إن الصحافة مهنة وفن وأداة لنشر المعرفة وهي تتطلب تكوينا شاملا ودربة مهنية طويلة. يبقى “البوست” على فايسبوك أو التعليق في متناول الجميع ولا تتطلب أي موهبة. لكن مقالة صحفية واحدة يمكن أحيانًا أن تغير مسار التاريخ وتترك بصمة دائمة تنطبع في العقول. أذكر على سبيل المثال لا الحصر مقال الكاتب الفرنسي ايميل زولا بعنوان “اتهم”.

إن الصحافة المكتوبة ليست مجرد منبر للصحفيين، إنها توفر لرجال الفكر والمثقفين من جميع المشارب الفرصة لتنويرنا وتعليمنا وفتح أعيننا على حقائق الماضي أو الحاضر أو ​​المستقبل.

تحتاج تونس أكثر من أي وقت مضى، في خضم انتقال سياسي مضطرب ومهدد من قبل القوى الرجعية، إلى صحافة مكتوبة حرة وقابلة للحياة. أما دونها، فمن غير المحتمل أن تكسب تونس المعركة ضد الظلامية والانطواء وهي على وجه التحديد الحسابات الشريرة التي يقوم بها البعض.

إن منح المهنة إمكانية البقاء في ظروف استثنائية ليس بعيد المنال بالنسبة لدولة تلقت مليارات المساعدات الخارجية للتعامل مع أزمة جائحة كوفيد.

لا تطلب الصحافة المكتوبة الصدقات بل الدعم المالي الدائم لتمكين الصحفيين من مواصلة رسالتهم ومهمتهم الثقافية. إن انهيارهم الاقتصادي سيؤدي إلى نهاية المهنة.. وليس من المكلف إنقاذ مهنة ساهمت لأكثر من 150 عامًا في الاشعاع الفكري للشعب.

قالت الحكومة الحالية إنها حريصة على عدم إسقاط أي تونسي أو قطاع، وكانت لقاءاتي الأخيرة مع رئيس الحكومة الياس الفخفاخ ومع وزير المالية نزار يعيش أحيت فيّ الأمل. وأمام رئيس الحكومة اليوم فرصة لإثبات أن هذه الوعود ليست واهية، مثل تلك التي تعهد بها سلفه وأن التزامه باستدامة ركيزة الديمقراطية التونسية صادق. آمل ذلك…

 

بقلم الطيب الزهار

اترك تعليقاً

Time limit is exhausted. Please reload CAPTCHA.