تونس: قضية سامى الفهرى تفتح ملف استقلال القضاء وهشاشة المنظومة القانونية

أثارت قضية سامي الفهري ضجة كبيرة في تونس وخلفت جدلا قانونيا واسعا بين المحامين ووزارة العدل سيما بعد قرار محكمة التعقيب بالإفراج عن الفهري على أن يحال على القضاء في حالة سراح في قضية تتعلق فساد مالي أضرّ بمؤسسة التلفزة الوطنية تورطت فيه حسب الشكاية شركة كاكتوس التي كانت على ملك صهر الرئيس السابق. ..



تونس: قضية سامى الفهرى تفتح ملف استقلال القضاء وهشاشة المنظومة القانونية

 

أثارت قضية سامي الفهري ضجة كبيرة في تونس وخلفت جدلا قانونيا واسعا بين المحامين ووزارة العدل سيما  بعد قرار محكمة التعقيب بالإفراج عن الفهري على أن يحال على القضاء في حالة سراح في قضية تتعلق فساد مالي أضرّ بمؤسسة التلفزة الوطنية تورطت فيه حسب الشكاية شركة كاكتوس التي كانت على ملك صهر الرئيس السابق.

 

وقد دافع عدد من السياسيين وخاصة منهم من ناضلوا ضد بن على سامي الفهري من أمثال الطاهر بن حسين وتوفيق بن بريك وذلك  من منطلق الدفاع عن استقلالية القضاء حسب تعبيرهم، محذرين من أن قضية الفهري قد تكون الخطوة الأولى نحو تدجين القضاء والالتفاف على الثورة.

 

ويطرح مبدأ استقلالية القضاء إشكالية كبرى في الوقت الراهن ولا يمكن الحديث اليوم عن قضاء مستقل إلا في ظل توفّر ضمانات الاستقلالية وفق معايير دولية متفق عليها مكرّسة في المواثيق الدولية وتنص على الفصل التام بين السلطات ومنع تدخل السلطة التنفيذية والتشريعية في أعمال السلطة القضائية.

 

وتكرس هذه المبادئ في الديمقراطيات العالمية عبر آليات تضمن عدم التدخل في القضاء في أي شكل من الإشكال وخضوع القاضي في قضائه لسلطان القانون وبقناعته وضميره وتضع حتى عقوبات شديدة على كل محاولة تدخل في أعمال القضاء.

 

وهذه الاستقلالية تتحقق أيضا من خلال تحسين الوضعية المادية للقضاة لصون القاضي من سيف الحاجة أو من المغريات المادية ومهما كانت الضمانات القانونية التي تكفلها التشاريع لتحقيق استقلالية للقضاء إلى جانب انتداب القضاة حسب الكفاءة لا حسب الولاءات الحزبية أو السياسية.

 

ولكن الإشكال في تونس يتمثل في أن النظام الذي يضمن استقلالية القضاء لا يرقى إلى المعايير الدولية في الوقت الذى يطالب فيه القضاة بمنحهم الآليات الضرورية لدعم استقلاليتهم وعدم الضغط عليهم من قبل السلطة التنفيذية أو من الإعلام أو من رجال الأعمال والسياسة.

 

وقد أصبح استقلال القضاء مطلبا أساسيا في ظل الأوضاع الراهنة إذا ما وصفنا الوضع السياسي الحالي بكونه وضعا استثنائيا ولذلك فانه من الضروري دعم الجهاز القضائي ومساعدته على عدم التأثر بالتجاذبات السياسية على مختلف شرائحها وألوانها وتجنيبهم بان يكونوا طرفا في الصراع السياسي وغير طامعين في اقتسام السلطة السياسية وهمهم الوحيد إيصال الحقوق إلى أصحابها.

 

يذكر أن القضاء ظل لسنوات طويلة رهين السلطة التفنيذية وكان القاضي يعيش صراعا بين ما يتطلبه واجب الحكم وبين ما تطلبه الإدارة وكل من حاول التمسك باستقلاليته وبمواقعه كان العزل أو التجميد سيفا حادا يسلط على رقبته. فعدم الولاء للإدارة والانصياع لأوامرها يقابله النقل التعسفية دون رضا القاضي وتجميد في الرتبة والرواتب. 

 

إذن اليوم وبعد ثورة 14 جانفي يمكن لنا أن نتحدث عن ضرورة رفع يد وزارة العدل على المحاكم ويد وزير العدل على أعضاء النيابة العمومية لكن التخلص من ضغط السلطة التنفيذية يقابله ضغط شعبي خاصة في ما يتعلق بالمحاكمات التي تتعلق برموز النظام السابق وتأثير الجمهور عليها.

 

ويعتبر المجلس الأعلى للقضاء العائق الأول الذي يحول دون تحقيق استقلال القضاء باعتباره خاضعا إلى السلطة التنفيذية وبالتالي لا يمكن الحديث عن استقلالية القضاء في ظل وجود المجلس الأعلى للقضاء في صورته القديمة حيث أجمع القضاة على وجوبية إجراء انتخابات مجلس أعلى للقضاء انتقالي بصفة فورية يتولى إدارة الشأن القضائي.

 

وما يمكن ملاحظته من خلال استرجاع الأحداث المتعلقة باستقلال القضاء فإن المجلس التأسيسي فشل في حسم ملف إحداث هيئة عليا للقضاء العدلي في ظل الاختلاف القائم بين وزارة العدل وجمعية ونقابة القضاة إلى جانب التجاذبات السياسية بين حركة النهضة والأحزاب المعارضة في المجلس التأسيسي.

 

كما استمرت وزارة العدل في الإشراف على النيابة العمومية والتأثير على قراراتها والتي كانت إلى حد ما سياسية على غرار قضية سامى الفهرى والموقوفين في احدث الاعتداء على السفارة الأمريكية.

 

من جهة أخرى تضعنا قضية سامي الفهرى أمام معضلة أخرى تتمثل في هشاسة المنظومة القانونية التونسية التي شهدت خلال فترة النظام السابق محاولات لتشويهها من اجل خدمة النافذين السياسيين في تلك الحقبة حتى أن بعض القوانين التي كان مجلسا  النواب والمستشارين يصادقان عليها دون نقاش لا تخلو من النزعة الشخصية من ذلك قانون حول التعليم العالي الخاص كان الهدف منه إقصاء صاحب مؤسسة رفض الخضوع لأوامر بن على وقانون يجيز انتفاع عائلة المخلوع بامتيازات خيالية خلال فترة راجت فيها أخبار حول تدهور حالتة الصحية.

 

كما تعانى هذه المنظومة من نقائص فيما يخص مكافحة الفساد ومعاقبة الفاسدين وهو ما يفسر ربما إطلاق سراح العديد من وزراء النظام السابق لعدم وجود أدلة قانونية وتشريعات خصوصية تتلائم مع هذه المرحلة الانتقالية.

 

من جهة أخرى تعرف عدد من النصوص القانونية تناقضات مما يسهل تأويلها أو استغلال الخروقات القانونية في التهرب من العدالة أو في تحكم السلطة التنفيذية في سير القضاء إلى جانب ضعف المجلات سواء المتعلقة بالإجراءات الجزائية أو الاستثمارية والتجارية والتي من الأوكد حاليا مراجعتها.

 

يشار إلى أن وزارة العدل وضعت بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة للإنماء مخططا استراتيجيا يمتد من سنة 2014 إلى سنة 2016 يهدف إلى إصلاح المنظومة القضائية وضمان استقلاليتها ويتضمن هذا المخطط أربعة محاور أساسية تتمثل في تحديث نظام القضاء وتدعيم الإطار التشريعي وأقلمته على المعايير الدولية وتأهيل الإطار المؤسساتي والمؤهلات البشرية وربط برامج الوزارة بمحيطها الخارجي.

وستعمل الوزارة  حسب ما أكدته على  اتخاذ التدابير الكفيلة بإحداث مراجعة هامة في المجال التشريعي خاصة الجزائي والإجرائي فضلا عن التشريعات المتعلقة بالمؤسسات القضائية بما في ذلك نظام السجون وذلك بإعادة النظر في مجلة الإجراءات الجزائية.

 

كما التزمت بعدم  إخضاع قضاة التحقيق لسلطة النيابة العمومية من خلال جعل صلاحية تعيين القضايا التحقيقية من مشمولات رئيس المحكمة الابتدائية علاوة على  إعداد مشاريع قوانين تتعلق بتطوير الأحكام الجزائية والمدنية والتجارية وغيرها بما في ذلك إعداد القوانين المتعلقة بأخلاقيات المهنة وأهمها القضاء تتطابق مع المعايير الدولية لاستقلال القضاء.

 

والطلوب الآن هو إلغاء المنظومة القانونيّة الاستبدادية وتعويضها مع نظرة عميقة شاملة ومتكاملة بعيدة المدى لكي لا نضطرّ في كلّ مرّة إلى إصلاح خطأ بخطأ مثله أو أعظم منه.

 

مريم التايب

اترك تعليقاً

Time limit is exhausted. Please reload CAPTCHA.